هل الرسول من بكة أم من قرية أخرى

قامت سيرة المذاهب بحصر حياة الرسول في محطتين إثنتين لا ثالث لهما مرحلة مكة التي نسبوا لها مقر البيت الحرام و فترة ما قبل الهجرة و مرحلة المدينة التي نسبوا لها ما تبقى من أحداث حياة الرسول من بعد الهجرة أو بالأحرى بعد إخراجه من قريته الأصلية و كالعادة عند تدبر آيات القرآن متجردين من الأفكار التي حاولوا ترسيخها في عقولنا سنصطدم بحقيقية بعيدة كل البعد عما جاء في كتب التراث حيث يتجلى بوضوح أن البعثة المحمدية شملت على الأقل ثلاث فترات زمنية مختلفة
فبالإضافة لمرحلة ما بعد فتح بكة مقر البيت الحرام الحقيقي كما سبقت الإشارة في موضوع
هل مكة هي بكة
و التي كانت الأخيرة حيث إستقر الرسول بها بعد أن كان يمنعه الكفار عنها من قبل  
و من قبلها مرحلة يثرب التي لم يطلق عليها في يوم من الأيام إسم المدينة كما سبقت الإشارة في موضوع
أكذوبة المدينة
فقد كانت هناك مرحلة أولى جرت جل أحداثها في قرية النبي الأصلية حيث كانت لآيات موجهة بالخصوص لسكان هذه الأخيرة
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)  سورة الأنعام
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)  سورة الفرقان
و في الحقيقة لو قمنا بتدبر القرآن آية بآية لن نجد أي دليل و لا إشارة توحي بنشأة الرسول و عيشه في قرية البيت الحرام قبل الفتح بإستثناء هذه الآية التي توحي شيئا ما أن الرسول ولد و ترعرع ببكة إنطلاقا من منظور البعض
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)  سورة البقرة
و التي تؤكد أن  محمد هو الرسول الذي دعى إبراهيم البكي الموطن حينها أن يبعثه الله في ذريته لكن هل بقيت ذرية إبراهيم مستقرة قرب البيت طوال الفترة الزمنية بين الدعاء و ظهور الرسول ! فإذا علمنا أن جزء كبير منها هاجر لمصر بعد جيلين فقط في شخص أولاد يعقوب فما بالك بمن جاؤوا بعد كل هذه القرون ؟ فليس شرط أن ترتبط الذرية بمكان معين و الشيء الأكيد أن محمد سواء كان من بكة أو من خارجها فإنه بعث في قومها في آخر المطاف بما فيهم ذرية إبراهيم المنتمي إليها
فليس شرط أن يكون الرسول محمد بكي الموطن حتى يتحقق به دعاء إبراهيم فيكفي أن يبعث في بكة و أن ينتمي لذرية إبراهيم خصوصا أننا عندما نتمعن في هذه الآية
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)  سورة الزخرف
 نجدها توحي أن دعوة الرسول كانت موجهة بالخصوص لقريتين متقاربتين جغرافيا تربطهما علاقة واضحة حيث إشترط الكفار حينئذ أن يكون المبعوث من عظماء إحداهما و إحتمال كبير أن يكون المقصود منهما بكة و قرية مجاورة لها شهدت نشأة الرسول محمد 
و في حقيقة الأمر لم تشمل البعثة المحمدية قريتين فحسب بل شملت مجموعة قرى متقاربة جغرافيا  وصفها القرآن بأم القرى و من حولها
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)  سورة الشورى
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)  سورة الأنعام
أي بكة القرية الأم حيث يوجد أول بيت وضع للناس
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)  سورة آل عمران
و قبلة الحج و التجارة 
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)  سورة العنكبوت
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)  سورة القصص
حيث يلاحظ من خلال الآيات أن بكة بالإضافة لمرتبتها الدينية كانت أهم قرية في المنطقة سواء في عصر الرسول كما أشارت الآيات أو في عصر من سبقه من الأنبياء كما سبقت الإشارة في موضوع
الرسول بعث في أرض الأنبياء و ليس خارجها
و ما يثير الإنتباه أيضا في الآيتين السابقتين هو خطاب القرآن لسكان بكة بصيغة الغائب و إستعماله لعبارات مثل مِنْ حَوْلِهِمْ  نُمَكِّنْ لَهُمْ مما يوحي أن الرسول لم يكن ينتمي إليهم على عكس خطاب قوم الرسول الذي جاء بصيغة المخاطب
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)  سورة الأنعام
و هذا ما يوحي أن الرسول قد عاش و ترعرع  في قرية من ضمن القرى المجاورة لبكة أم القرى و على خلاف هذه الأخيرة التي عرفت بعثة كل من إبراهيم و إسماعيل فقرية محمد لم يسبق أن أنذرها أي رسول منه قبله كما يتضح من خلال العديد من الآيات
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)  سورة يس
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)  سورة القصص
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)  سورة السجدة
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)  سورة سبأ
فكيف يمكن أن ينطبق هذا الوصف على بكة التي بعث و عاش فيها إبراهيم و إسماعيل و ربما رسل أخارين ؟ و حتى من خلال الوصف القرآني يتبين لنا أنها كانت  قرية صغيرة و عادية لم يكن لها شأن كبير و ثقل إقتصادي في المنطقة مثل بكة
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)  سورة سبأ
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)  سورة محمد
كل هذه الدلائل تؤكد مرة أخرى سعي السيرة المذهبية لتزييف الحقائق التاريخية و طمس هوية الرسول و قومه الحقيقية حتى تتمشى مع التاريخ الكاذب الذي نسب إليه بهتانا و زورا


معلومات عن التدوينة الكاتب : Unknown بتاريخ : الاثنين، 20 أبريل 2015
المشاهدات :
عدد التعليقات: 0 للإبلاغ عن رابط معطوب اضغط هنا

شكرا لتعليقك
Site kobia