متى بعث الرسول محمد ؟

بسم الله الرحمن الرحيم


متى بعث و عاش الرسول محمد ؟ قد يبدوا هذا السؤال غريبا شيئما بالنسبة للبعض لأن زمن بعثة الرسول يعتبر من الحقائق الأكثر تسليما في الدين و التاريخ الإسلامي إن لم نقل التاريخ العالمي و من الأشياء القليلة التي لم يتم الطعن و التشكيك فيها نظرا لإرتباطها بكم هائل من الأحداث و الشخصيات الموثقة تاريخيا و بالأخص لعدم وجود دلائل صريحة في القرآن تنفي بعثة الرسول في أواخر القرن السادس الميلادي 
و لكن لو أخذنا الموضوع من ناحية علمية و منطقية هل عدم وجود دلائل تنفي حقيقة ما كافي للتأكد من صحتها ؟ بطبيعة الحال لا فمن الناحية العلمية المنطقية لا يوجد لدينا أي دليل صريح على أن الأنبياء من نوح إلى محمد شخصيات حقيقية فما بالك أن نؤكد عيش أحدها في زمن محدد
كل ما لدينا هو مجموعة من المرويات من مصدر واحد فقط تتحدث عن شخصية لا نتوفر على أي دليل مادي حقيقي على وجودها وهي نفس حالة الأنبياء الأخرين و أبرزهم عيسى بن مريم الذي يعتبر العديد أن الزمان الذي نسبت إليه فترة عيشه و بعثته من المسلمات التاريخية و مع ذلك نجد القرآن ينفي ذلك و يؤكد أنه حفيد عمران و إبن أخت النبي هارون اللذان تؤكد نفس المصادر عيشهما قرون طويلة قبل ذلك و قد سبق التطرق لذلك في موضوع 
لذلك لا يمكننا الثقة بمثل هذه الروايات و لو كانت بالآلاف بل يجب الإعتماد على القرآن في المقام الأول كأهم و أوثق مرجع لكل بحث تاريخي متعلق بالرسول محمد 
في الحقيقة من الصعب تحديد الحقبة الزمنية التي عاش فيها الرسول إنطلاقا من النص القرآني لوحده فالشيء الأكيد أنها تزامنت مع تواجد الرومان بالمنطقة الذي حيث كانت بدايته في الشرق الأوسط إنطلاقا من النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد 
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)  سورة الروم
و قد سبق التوضيح في هذا موضوع
أن أدنى الأرض هي أخفض منقطة فوق البسيطة على كوكبنا والتي تقع على ضفاف البحر الميت في نفس المناطق التي إحتلها الرومان في نفس تلك الفترة مما يجعل إحتمال عيش و بعثة الرسول محمد قبل تلك الفترة جد مستبعد
فيمكننا حصر الحقبة الزمنية التي شهدت بعثة الرسول بين 40 عام قبل الميلاد إلى 684 ميلادية سنة تولي إبن الزبير للخلافة و الذي ترك أول أثار و دليل علمي حقيقي على وجود شخصية محمد
أبرز ما يثير الإنتباه عند مقارنة نصوص القرآن بما جاء في السيرة و الأحاديث و التفاسير السنية هو الإحساس بأننا أمام كتاب إنتزع عدد كبير من صفحاته قفزت فيه القصة من زمن الرسول إلى زمن لا علاقة له به 
فأول ما يثير الإنتباه هو الإختلاف الشاسع بين لغة القرآن الأصلية و اللغة المعاصرة لمن وصفوهم بعلماء السلف مؤسسي عصر المذاهب و التدوين و الروايات حيث إعترف عدد كبير منهم ممن عاشوا في فترة ما بين القرن الأول والثالث الهجري  بوجود كلمات دخيلة في القرآن على ما أسموه حينها بلغة العرب و من بينهم ابن عباس  وابن جيد و وهب بن منبه  و ‏الشافعي  ابي عبيدة معمر بن‏ المثني و ابي عبيدا لقاسم بن سلاّم 
فهل يعقل أن اللغة تغيرت لهذه الدرجة في أقل مائة عام ؟ هل الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية حفظ القرآن ممن لقبوا بالصحابة نسوا حفظ لغته ؟ فكيف يعقل أن لغة السلف التي شرح بها القرآن و دونت بها الأحاديث بقيت محفوظة و لم تتغير لمدة ثلاثة عشر قرنا بينما لغة القرآن لم تحفظ في أقل من قرن واحد مع العلم أنه كان أكثر القرون تدينا بالنسبة للمسلمين حسب سيرة المذاهب 
و الأغرب من ذلك وجود عدة كلمات ممن إعتبروها دخيلة في لغات أقوام أخرى  كالإثيوبية والفارسية واليونانية و الرومانية والهندية والسريانية والعبرية والنبطية والقبطية والتركية والزنجية والبربرية ألخ 
و قد حاولوا إقناعنا أن القرآن قد نزل بلسان فيه مفردات دخيلة و مجهولة بالنسبة للقوم الرسول قرآن يفهم بعض كلماته الإثيوبيون أكثر من ممن نزل بلسانهم ؟
 و الأكثر غرابة أن كفار قوم الرسول لم يعترضوا إطلاقا على وجود هذه الكلمات الدخيلة في القرآن وهذا يبدوا مستحيل بالنسبة لقوم كانوا يتصيدون أشباه الفرص للطعن في أي شيء يتيح الفرصة للتشكيك في القرآن كما سبقت الإشارة في موضوع
و لقالوا إذا لولا فصلت آياته 
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)  سورة فصلت
فهذه الآية تنفي تماما وجود لغة دخيلة على لسان قوم الرسول في القرآن و تصدق ما جاء في الآية 
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)  سورة إبراهيم
فالإحتمال الأقرب للواقع أن هؤلاء العلماء كانوا تحت سلطة سياسية حاولت تشكيل إمبراطورية بإسم الدين و الإسلام في مطلع القرن السابع الميلادي فكلفت مجموعة من العلماء بدراسة القرآن و توفيق آياته مع مصالحهم السياسية  فإصطدموا بلغته القديمة التي خالفت لغتهم المعاصرة مما يؤكد أن القرآن أقدم بكثير مما نتصور
من الأشياء المثيرة للريبة أيضا عدم وجود شواهد تاريخية تؤكد وجود نسخ من التوراة و الإنجيل بما يسمى باللغة العربية المعاصرة للقرن الاول الهجري حيث أكدت عدة شواهد طلب المسلمين الفاتحين أثناء تلك الفترة من اليهود و المسيحيين بترجمة كتبهم إلى العربية مما يؤكد عدم توفر الفاتحين الأوائل على هذه الكتب و عدم معاشرتهم لليهود و المسيحيين قبل فتح هذه الدول
عام 639 تقريباً، طلب القائد العربي عمر بن سعد ابن أبي وقاص من البطريرك السرياني الأرثوذكسي يوحنا أن يضع ترجمة الإنجيل في اللغة العربية
عام 675 تقريباً في أسبانيا في إشبيلية، قام الأسقف يوحنا بترجمة الكتاب المقدس
687 تقريباً قام حنين بن اسحق الكتاب المقدس بترجمة السبعينية اليونانية وهي مفقودة
693 تقريباً قام العالم اليهودي سعيد الفيوم بترجمة أسفار التوراة الخمسة وأشعيا
693 تقريباً قام الحفص ابن ألبر القوط بترجمة المزامير بأسلوب شعري. 
 و يعد هذا أمر غريب بالفعل كون قوم الرسول كانوا يعيشون في مجتمع مليء باليهود و المسيحيين بل و يتحدثون نفس لغتهم 
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)  سورة المائدة
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)  سورة آل عمران
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)  سورة الشعراء
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)  سورة القصص
بماذا كان الرسول يتلوا القرآن على اليهود و النصارى و بماذا كان يحكم بينهم هل باليونانية أم السريانية أم العبرية  ؟ أم بلسان قومه و لسان نفس المنطقة التي ينتمي لها هؤلاء فالتوراة و الإنجيل الأصليان كانا بنفس لغة القرآن أو جد قريبين منها لأن الرسول محمد عاش و ترعرع في نفس المنطقة التي عاش فيها جل الأنبياء السابقين كما سبق التوضيح في موضوع
و بالتالي فهي لا تحتاج لمن يترجمها ليفهمها أتباعه ما قام به علماء القرن الأول الهجري هو ترجمة نسخ مترجمة و محرفة إلى لغات أخرى منذ قرون طويلة بينما التوراة و الإنجيل الذي تحدث عنهما القرآن كانا مفقودين في تلك الحقبة و منذ مدة طويلة فالتوراة و الإنجيل اللذان تحدث عنهما القرآن كانا غير محرفان على الأقل من ناحية النصوص 
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) سورة المائدة

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)  سورة المائدة
و قد سبق و تطرقت لهذه النقطة بالتفصيل في موضوع

بينما التوراة و الإنجيل التي أخذ منهما مفسروا السلف هي نفسها المتواجدة بين أيدينا حاليا مليئة بالأخطاء و الفواحش و الكوارث و بالأخص التوراة اليهودية الأساس الذي قامت عليه المذاهب خصوصا مذهب السنة و الجماعة  و قد سبق و تطرقت لهذه الحقيقة في موضوع
فلا يعقل أن تحدث كل هذه التغيرات العقائدية و التاريخية في أقل من مائة عام ؟ مما يحيلنا إلى سؤال أخر لا يقل حيرة من سابقيه أين إختفت نصوص التوراة و الإنجيل الحقيقية التي ذكرت في القرآن لماذا لم نعد نجد لها لا حس و لا أثر رغم أنها كانت موجودة حتى القرن السابع لو إعتبرنا أن القرآن نزل بالفعل في تلك الحقبة ؟ لماذا نجد بعض نصوص التوراة و الإنجيل المحرفة تعود إلى نفس الحقبة بل و ما قبلها بقرون ؟ لماذا لم يحتفظ علماء السلف الأوائل بنسخ التوراة و الإنجيل الصحيحة لإثبات مطابقتها للقرآن قبل أن يضطروا لطلب ترجمتها من لغات أخرى ؟
 لماذا عندما نقرأ نصوص القرآن نشعر أن الزمن يعود بها لفترات غابرة من التاريخ لا تنطبق على المجتمعين اليهودي و المسيحي في القرن السابع فوصف اليهود و النصارى و عبادتهم في القرآن لا يمت بأي صلة لأي فترة من الفترات الموثقة عند أتباع العقيدتين المسيحية و اليهودية و لعل أبرز مثال على ذلك ذكر عبادة اليهود لعزير و إعتباره إبنا لله 
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) سورة التوبة
و كذلك قولهم ان يد الله مغلولة
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)  سورة المائدة
مما جعل اليهود و المسيحيين يتهمون القرآن بإفتراء الكذب على معتقداتهم
فهذه الحقبة تبقى غابرة و مجهولة في التاريخ اليهودي و لم تؤكدها الشواهد اليهودية المسيحية و لا حتى الإسلامية و بعابرة أصح لا يوجد ما يؤكد أن أحد الطوائف اليهودية آمنت بهذه المعتقدات بعد القرن الأول الميلادي
فكل الشواهد تؤكد أن هناك حقبة زمنية جد طويلة بين بعثة الرسول و نزول القرآن و بداية الإسلام السياسي فترة تغيرت خلالها اللغة كثيرا و فقدت الكتب السماوية السابقة و بعبارة أصح هناك ثقب أسود كبير و طويل بين فترة نزول القرآن و فترة الخلفاء و هذا التغييب و التزوير التاريخي لا يمكن أن يقف ورائه سوى قوة و إمبراطورية ذات سلطة كبيرة على جل أقطار المنطقة مثل الإمبراطورية الرومانية فإذا تمعنا قليلا في بعض الآيات سنلاحظ أن بعد فتح المؤمنون في عصر الرسول محمد للمسجد الحرام و إقتربهم من الإنتصار على خصومهم من الكفار و المشركين من الذين أوتوا الكتاب ذكرالقرآن خصما قادما وصف بقوم أولي بأس شديد 
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)  سورة الفتح
و إذا رجعنا لجميع الآيات القرآنية لن نجد أية إشارة لقتال المؤمنين لقوم أولي بأس شديد سوى الرومان
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)  سورة الروم
نعم هذه الآيات تتحدث عن قتال المؤمنين للروم و ليس لقتال الروم مع الفرس كما صور لنا التراث الذي قام بتزوير التاريخ فهل غُلِبَتِ الرُّومُ أم غَلَبَتِ الرُّومُ و هل مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ أم سَيُغْلِبَونَ
فقد قاموا بالتلاعب بتشكيل النصوص لقلب الحقيقية و قد سبق أن تطرقت للمشاكل التي طرحها إضافة التشكيل لنصوص القرآن في موضوع
لكنهم نسوا و بالأحرى أنساهم الله تغير لفظ  مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ الذي أشار لإنتصارهم في الحرب الأولى إلى غُلْبِهِمْ الذي يشار به إلى الهزيمة و هذا المعطى قد يقلب رأسا على عقب كل ما جاء في السيرة و التصور العام لسير الأحداث و المناطق لذي إرتبطت بالبعثة المحمدية فهل يعقل أن تصف الآية إنتصار المشركين و لو كانوا من الذين أوتوا الكتاب بنصر الله الذي يفرح عباده المؤمنين ؟ هل يعقل أن تغفل الآية عن ذكر الفرس كطرف ثاني في المعارك  لو كانوا بالفعل هم المقصودين في الآيات و تحصر الخطاب على الروم و المؤمنين ؟ فهذه الآيات نزلت لتبشر المؤمنين بعد هزيمتهم من طرف الرومان بإنتصار قادم بعد بضع سنين و أرجح أن سورة الروم كانت من آخر ما نزل من القرآن الكريم و في نفس الوقت تشير لخصم و عدو المؤمنين الجديد الذي بدأ يزعجه إنتشار الإسلام بعد الفتح
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)  سورة النصر
من الأكثر الأسئلة التي حيرت العديد ممن درسوا القرآن عدم ذكره للمسيحية ؟ فالمسيحية ليست هي النصرانية هذه الأخيرة كانت فقط ملة خاصة ببني إسرائيل كما سبقت الإشارة في موضوع
و من الأشياء الغريبة و المحيرة أيضا قيام الإمبراطورية الرومانية بتحويل دين خاص بطائفة من بني إسرائيل إلى الدين الرسمي للإمبراطورية ؟ ومهما أوهمنا التاريخ المسيحي الروماني الكاذب بأن عيسى بن مريم قد بعث في بداية الألفية الأولى و عن أتباعه الذين نشروا المسيحية في أقطار الإمبراطورية فيبقى مجرد تاريخ كاذب لطمس حقيقة معينة خصوصا إذا علمنا أن عيسى بن مريم لم يعش إطلاقا في تلك الحقبة كما أشرت في بداية الموضوع 
فكل المؤشرات تشير إلى أن المسيحية دين صنعته روما بعد نزول القرآن على يد مواطنها اليهودي الأصل شاوول الطرسوسي الملقب ببولس الرسول و الذي حولته لدين عالمي شبيه بالإسلام لتحارب به إنتشار رسالة محمد في إمبراطوريتها و تحافظ به على أهم ثوابت ديانتها الوثنية السابقة مما يعود بنا إلى بداية الألفية الأولى تقريبا
هناك نقطة أخرى تثير الريبة ففي نفس الحقبة الزمنية تقريبا حدثت كارثة مدينة بومبي التي يرى فيها العديد عقابا إلهيا شبيها بعذاب الأقوام المذكورة في الكتب السماوية خصوصا أنها كانت مدينة الفاحشة و الطغاة بإمتياز
وكانت تعتبر بومبي عاصمة الرذيلة حيث واشتهرت هذه المدينة بتجارة الدعارة، وكانت يوجد بها بيوت للدعارة في كل مكان، وتنتشر غرف صغيرة لممارسة الرذيلة لا يوجد بها سوى فراشكان أهل بومبي يمارسون الرذيلة والشذوذ حتى مع الحيوانات، بعلانية أمام الأطفال وفي كل مكان تقريبا. أهل "بومبي" كانوا يرسمون الصور الإباحية على جدران منازلهم أمام الأطفال والنساء والكبار، حتى إن الباحثين اليوم يعتبرون أن فن الخلاعة قد بدأ في هذه المدينة 
لكننا عندما نعود إلى القرآن نجد أن الله لا يهلك أي قوم حتى يبعث إليهم رسوله
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)  سورة الإسراء
فإذا كان هلاك بومباي إلهي و هذا ما يبدو بالفعل فمن هو الرسول الذي أرسل إلى الرومان في تلك الحقبة من هو الرسول الوحيد الذي إقترن زمان بعثته في نصوص القرآن بالرومان غير الرسول محمد ؟ من هو الرسول الوحيد الذي بعث للناس كافة و لم تقتصر رسالته على بني إسرائيل غير الرسول محمد ؟ فهناك من يقول أن الرسول الذي بعث للرومان هو عيسى لكن الله لم يأمره بدعوة الرومان بل بني إسرائيل بشاهدة آناجيلهم المحرفة
إنجيل متى الإصحاح 15 
21 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22 وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ: «ارْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ابْنَ دَاوُدَ. ابْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً». 23 فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24 فَأَجَابَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ»25 فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ أَعِنِّي!» 26 فَأَجَابَ: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». 27 فَقَالَتْ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَالْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا». 
فكيف يعاقبهم لعصيان رسول لم يبعث إليهم ؟ فالمرجح أن رسالة محمد وصلت و إنتشرت في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية و عندما إستشعر الرومان بخطرها قاموا بإنشاء دين مشابه يحتفظ لهم بجميع مصالحهم و تقاليدهم دين لا يعتمد على شريعة الأنبياء و لا يحرم الخبائث دين سماوي ظاهريا و وثني باطنيا و في نفس الوقت قاموا بإضطهاد المسلمين و منع رسالتهم من الظهور و الإنتشار و إجلائهم من خارج الإمبراطورية و في نفس حرص على القضاء على بقايا الطوائف المؤمنة من النصارى و الذين هادوا و تحريف كتبهم و بعد تقسيم الإمبراطورية و إنهيار روما الغربية و تراجع قوة روما الشرقية في أواخر القرن السادس الميلادي و بداية القرن السابع ظهر تيار سياسي قبائلي إستمد قوته من الدين الإسلامي و حاول توحيد جميع قبائل المنطقة تحت رايته لإنشاء إمبراطورية على أنقاض الإمبراطوريتين الفارسية و البيزنطية الشبه منهارتين بسبب الحروب الطويلة بينهما و هنا بدأ التاريخ الإسلامي المعروف إسلام الدولة و ليس إسلام الأفراد و بما أن التاريخ يكتبه المنتصرون فقد سعوا إلى ربط نسب النبي إلى رموزهم عن طريق سيرة كاذبة إدعت أنهم كانوا أصحاب النبي وأقاربه و أهله
تبقى هذه مجرد فرضية قد تصح و قد تخطئ بنيتها على ما هو متوفر حاليا من الدلائل و المعطيات و تبقى أقرب للواقع من السيرة الكاذبة التي تدعي أن الرسول بعث و عاش في بداية القرن السابع الميلادي في جنوب الحجاز و في نفس الوقت تعتبر دعوة لكل باحث عن الحقيقة للبحث حسب إمكانياته المتاحة لتبيان و لو جزء من الحقيقة المطموسة منذ قرون و التي ستظهر عاجلا أم أجلا إنشاء الله 






معلومات عن التدوينة الكاتب : Unknown بتاريخ : الأربعاء، 9 سبتمبر 2015
المشاهدات :
عدد التعليقات: 2 للإبلاغ عن رابط معطوب اضغط هنا

2 التعليقات

شاركنا رأيكـــ التعليقات
26 سبتمبر 2015 في 8:05 م أزال المؤلف هذا التعليق.
avatar
26 سبتمبر 2015 في 8:11 م

متى بعث الرسول محمد ؟
بسم الله الرحمن الرحيم متى بعث و عاش الرسول محمد ؟ قد يبدوا هذا السؤال غريبا شيئما بالنسبة للبعض لأن زمن بعثة الرسول يعتبر من الحقائق الأكثر تسليما في الدين و التاريخ الإسلامي إن لم نقل التاريخ العالمي و من الأشياء القليلة التي لم يتم الطعن و التشكيك فيها ...

رد
avatar

شكرا لتعليقك
Site kobia