هل هناك آيات منسوخة في القرآن
يعتبر موضوع الناسخ و المنسوخ من الأكثر القضايا المثيرة للجدل في الأوساط الدينية الإسلامية و الغير الإسلامية حيث يتهم أعداء الإسلام الرسول محمد بإستعمال النسخ للخروج من المأزق التي كانت تواجهه أثناء مرحلة بعثته و قد ساهم في هذه الشبهة رجال الدين المذهبيين الذين بالغوا في عدد الآيات التي إدعوا نسخها حتى وصل بعضهم إلى حوالي ثلاثمائة آية منسوخة ؟ مما دفع بالبعض إلى إنكار وجود النسخ في آيات القرآن جملة و تفصيلا و حصره في نصوص الكتب السماوية السابقة و طبعا يبقى هذا مجرد كلام مبني على الظن و يحتاج للدليل و البرهان
لكن يبقى السؤال الحقيقي ما فائدة وجود آيات في القرآن لم يعد جاري بها العمل ؟
أكبر خطأ سقط فيه علماء السلف هو الخلط ببين التدرج في الأحكام الذي لا يلغي الأحكام السابقة و بين التدرج الذي ينسخ و يلغي ما قبله من أحكام لكن يبقى السؤال الحقيقي ما فائدة وجود آيات في القرآن لم يعد جاري بها العمل ؟
فالنسخ هو محو لكل وحي سابق سواء تعلق الأمر بالوحي الإلهي أو الشيطاني
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) سورة الحج
حتى تبقى آيات الله النهائية خالصة و محكمة في كتابه للأجيال القادمة لا أن تبقى فيه أحكام ملغاة و لا فائدة منها للعباد ؟
مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) سورة البقرة
فعندما يلغي الله تعالى آية من الوحي أو ينسها فهذا معناه أنه يلغيها كليا من الكتاب حكما و لفظا فكيف سيتم نسيان آية و هي موجودة في كتاب تطلع عليها الأجيال عبر العصور ؟ ثم يبدلها بآيات مثلها في الحكم أو خير منها أي أكثر تفصيلا و فائدة للبشر
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة النحل
و في الحقيقة أن كل من تدبر كتاب الله سيستشعر وجود أحكام أمر بها الله تعالى عباده خارج طياته و للأسف حاول أصحاب المذاهب نسبها لأسطورة الوحي الثاني أو ما يسمى بالسنة و كمثال
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) سورة البقرة
الجميع يتسأل هنا متى أمر الله للمؤمنين بأن يأتوا نسائهم من الفروج ؟ حيث يقول السنيون أرأيتم أين ذكر هذا من دون الأحاديث ؟ فيرد بعض منكري الأحاديث أن هذا الأمر يوجد في الفطرة الإنسانية و نسوا أن الفطرة وحدها غير كافية لإقامة الحجة على الناس و إلا لما أرسل الله رسله و أنزل كتبه و آياته ؟
فالأمر كان في آية سابقة نسخت و لم تدون في القرآن الحالي و تم تعويضها بنفس هذه الآية التي بالإضافة لذكرها لتفاصيل و أحكام جديدة كتحريم إتيان النساء أثناء الحيض و إشتراط الطهارة قبل مسهن فإنها بينت كما جاء في الآية المنسوخة أن الإتيان يكون فقط من الفرج ما دام هذا الأخير هو المعني بالأمر في مسألة نزول الحيض مما يؤكد قوله تعالى أنه كلما نسخ آية فإنه يأتي بخير منها في التفصيل و الأحكام و طريقة الصياغة فلم يعد هناك داعي لذكر الأمر المباشر بإتيان النساء من الفرج في كتاب الله
من أبرز الأمثلة التي يستشهد بها أصحاب المذاهب لتبرير وجود وحي خارج القرآن الأمر بالإتجاه إلى القبلة الأولى الذي لا نجده في أي نص قرآني
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) سورة البقرة
و الغريب أننا لا نجد عند من يدعون أن هذا الأمر مذكور في سنتهم أي حديث يأمر من خلاله الرسول أتباعه بالإتجاه إلى القبلة الأولى ؟ مما يؤكد أن الأمر بالإتجاه إلى القبلة الأولى جاء في آية منسوخة جاء حكمها مؤقتا و خاص بعصر الرسول لإمتحان الناس و توقف العمل به مباشرة بعد الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام
فلا وجود في القرآن للآيات منسوخة حكما و الآيات التي يزعمون أنها نسخت فهي لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا و كمثل صلاة قيام الليل التي شرعت في أوائل الوحي
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) سورة المزمل
في هذه الآيات فرض الله تعالى على المؤمنين الأوائل صلاة قيام الليل لمدة تتراوح بين ثلث و ثلثي الليل و التي إدعى أصحاب المذاهب أنها نسخت بالآية الموالية
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) سورة المزمل
حيث جاء نوع من التخفيف يراعي قصر الليل مع تعاقب الفصول و المرض و العمل و الجهاد في سبيله لكن هذا لا يلغي الحكم الأول الذي بقي ساري المفعول بالنسبة لمن لم تمنعه أحد الظروف السالفة الذكر من قيام الليل فحتى بالنسبة لعائق قصر الليل فهو غير مطروح بالنسبة لسكان المناطق الإستوائية حيث يبقى الليل معتدلا طوال العام
نفس الشيء بالنسبة لآيتي سورة الأنفال
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) سورة الأنفال
فحكم الآية الأولى لم يلغى و بقي ساري المفعول في حالة عدم وجود ضعف في جنود المؤمنين فهاتين الآيتين حددتا نسبة عدد الجنود اللازمة للإنتصار على الكفار في كل من حالتي القوة و الضعف
فلا وجود لنصوص ملغية الحكم في كتاب الله و للأسف إستغل اصحاب المذاهب وجود النسخ للتلاعب بآياته و إلغاء مجموعة من التشريعات التي لم ترقهم و تبديلها بتشريعات لم ينزل بها الله من سلطان إما عن طريق تحريف و تغيير معاني بعض النصوص الناسخة على حد قولهم أو نسخها بالأحاديث و هذه هي المصيبة و الكفر الأعظم عندما تصبح الروايات فوق القرآن
التالي
« التدوينة السابقة
« التدوينة السابقة
السابق
التدوينة التالية »
التدوينة التالية »