حد الردة تشريع ديكتاتوري بشري
يروج اللادينيين و الملحدون لفكرة أن الدين مجرد إختراع بشري يهدف للتحكم و السيطرة على عقول الناس و تسيرهم عبر العصور لتحقيق أهداف و رغبات أصحاب السلطة و في الحقيقة هذه الفكرة ليست خاطئة كليا فبالفعل جل الأديان مجرد إختراع بشري شيطاني أسست ليس فقط لتحكم في الشعوب و خدمة شهوات و مصالح البشر بل لمحاربة الدين الحق الأوحد لأن هناك دين رباني وحيد نزل من أجل إختبار الإنسان في الحياة الدنيا و ليس من أجل التحكم فيه
فلو أراد الله التحكم في البشر و إخضاعهم جميعا لمشيئته لقام بذلك بسهولة بالغة
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) سورة الشعراء
لكن الله تعالى أراد من الإنسان أن يكون مخيرا و أن يختبر في الحياة الدنيا ليميز الخبيث من الطيب منه و هذا الإختبار لا يتحقق إلا إذا تركت للإنسان حرية الإختيار بين الكفر و الإيمان لذلك نجد الله تعالى يأمر نبيه بعدم محاولة إكراه الناس على دخول الإسلام
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) سورة البقرة
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) سورة يونس
و أن مهمته تقتصر على تذكيرهم بالرسالة التي جاء بها و ليس إخضاعهم و السيطرة عليهم
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) سورة ق
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) سورة الغاشية
و ترك للكافر الحرية الكاملة لنكران رسالته و مؤكدا على أن عقابه سيكون في الآخرة
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) سورة الكهف
فما فائدة إكراه الناس على دخول الإسلام بغير إقتناع سوى تكوين مجتمع مليئ بالمنافقين و الخونة يحاربون الإسلام داخليا و يعملون ضد مصلحته و ينقلبون ضد المسلمين في أول مناسبة تتاح لهم
و لهذا السبب أمر الله تعالى نبيه الكريم بعدم موالاة المنافقين
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) سورة التوبة
فإذا كان القرآن ينهى عن موالاة من إختار النفاق طوعا فكيف سيقبل بمن أكره على النفاق ؟ بطبيعة الحال سيكون هذا الأخير أكثر عداوة و ضررا للإسلام
لكن تجار الأديان ممن صنعوا لهم مذاهب تلبي رغباتهم و أهوائهم الدنياوية خالفوا هذا المنطق رأسا على عقب و إلتجؤوا لسياسة القمع و الترهيب لمنع الناس من ترك مذاهبهم البشرية أو بالأحرى نقدها و فضح أكاذيبها فحد الردة في حقيقة الأمر هو عقوبة موجهة للمعارضين السياسيين فمهما ضحك علينا أصحاب المذاهب و لبسوا عباءة الدين فتبقى هذه الأخيرة مذاهب سياسية أنتجها صراع سياسي على السلطة فكل من ترك مذهب السنة و الجماعة أو إنتقده فهو يعتبر كافر مرتد عن الملة يجوز تطبيق الحد عليه رغم أنه لم يكفر لا بالله و لا برسوله و لا بحرف واحد في القرآن
و بغض النظر عن روايتهم الكاذبة التي لا يقام لها وزن أمام القرآن
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) سورة الجاثية
فقد حاولوا إفتراء الكذب على الله و إستخراج من آياته ما لم ينزل به من سلطان حيث إستدل علمائهم أو بالأحرى شياطينهم بالآية
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) سورة البقرة
لإثبات وجود حد الردة في القرآن بدعوى أن حرف الفاء في كلمة فيمت يشير إلى التعقيب و أن الموت يعقب الإرتداد مباشرة ؟
فيا سلام على الإستخفاف بالعقول يعني الله تعالى الذي أمر بصريح العبارة في كتابه بقتل قاتل النفس و جلد الزاني و قطع يدي السارق سيعجز أن يقول لنا بالحرف من يرتدد منكم عن دينه فأقتلوه ؟ المصيبة أن الآية لم تشر حتى لقتل المرتد و تقول من يرتدد منك عن دينه فيقتل بل إكتفت بذكر موت المرتد بل أنها إشترطت موت المرتد كافرا مما يؤكد إمكانية إيمانه بعد كفره و هو ما ستؤكده الآية التالية
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) سورة النساء
ناس تؤمن و ترتد مرتين بل تتاح لها الفرصة لتزداد كفرا دون وجود حد ردة و لا هم يحزنون
و من الآيات التي يستشهدون بها أيضا
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) سورة التوبة
ليوهموا الناس أن عذاب الدنيا في الآية يشير إلى حد الردة طبعا مثل هذه الحيل قد تنطوي على من لا يقرأ و يدرس كتاب ربه و يسلم لهم عقله
لكن من يتدبر كتاب ربه و يركز على نصوص الآيات و ليس أقوال الشيوخ سيدرك أن هذا العذاب سيكون بأموالهم و أولادهم حتى يدركهم الموت و هم كفار و ليس بحد الردة
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) سورة التوبة
فلا مجال للتلاعب مع كتاب
وقد إلتجؤوا لهذه التفاسير الظنية المستهترة و التي لم تراعي بقية النصوص و جعلوها حجة لقتل ملايين البشر عبر العصور
و مرة أخرى يتضح سعي المذاهب لهدم كل ما بناه الإسلام و صنع دين الخوف و الإرهاب دين يجعل العباد تحت سيطرة الحكام و السلاطين التامة
التالي
« التدوينة السابقة
« التدوينة السابقة
السابق
التدوينة التالية »
التدوينة التالية »